مسألة فيمن يشتغل بالمنطق والفلسفة تعليما
وتعلما وهل المنطق جملة وتفصيلا مما أباح الشارع تعليمه وتعلمه والصحابة والتابعون
والأئمة المجتهدون والسلف الصالحون ذكروا ذلك أو أباحوا الاشتغال به أو سوغوا
الاشتغال به أم لا وهل يجوز أن يستعمل في إثبات الأحكام الشريعة الاصطلاحات
المنطقية أم لا وهل الأحكام الشرعية مفتقرة إلى ذلك في إثباتها أم لا وما الواجب
على من تلبس بتعليمه وتعلمه متظاهرا به ما الذي يجب على سلطان الوقت في أمره وإذا
وجد في بعض البلاد شخص من أهل الفلسفة معروفا بتعليمها وإقرائها والتصنيف فيها وهو
مدرس في مدرسة من مدارس العلم فهل يجب على سلطان تلك البلاد عزله وكفاية الناس شره
أجاب
رضي الله عنه الفلسفة رأس السفه والانحلال ومادة الحيرة والضلال ومثار الزيغ والزندقة ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن
الشريعة المؤيدة بالحجج الظاهرة والبراهين الباهرة ومن تلبس بها تعليما وتعلما
قارنه الخذلان والحرمان واستحوذ عليه الشيطان وأي فن أخزى من فن يعمي صاحبه أظلم
قلبه عن نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم كلما ذكره ذاكر وكلما غفل عن ذكره غافل مع
انتشار آياته المستبينة ومعجزاته المستنيرة حتى لقد انتدب بعض العلماء لاستقصائها
فجمع منها ألف معجزة وعددناه مقصرا إذا فوق ذلك بأضعاف لا تحصى فإنها ليست محصورة
على ما وجد منها في عصره صلى الله عليه وسلم بل لم تزل تتجدد بعده صلى الله عليه
وسلم على تعاقب العصور وذلك أن كرامات الأولياء من أمته وإجابات المتوسلين به في
حوائجهم ومغوثاتهم عقيب توسلهم به في شدائدهم براهين له صلى الله عليه وسلم قواطع
ومعجزات له سواطع ولا يعدها عد ولا يحصرها حد أعاذنا الله من الزيغ عن ملته وجعلنا
من المهتدين الهادين بهديه وسنته
وأما
المنطق فهو مدخل الفلسفة ومدخل الشر شر وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه مما أباحه
الشارع ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين والسلف الصالحين
وسائر من يقتدي به من أعلام الأئمة
وسادتها وأركان الأمة وقادتها قد برأ الله الجميع من مغرة ذلك وأدناسه وطهرهم من
أوضاره
وأما
استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية فمن المنكرات المستبشعة
والرقاعات المستحدثة وليس بالأحكام الشرعية والحمد الله فالافتقار إلى المنطق أصلا
وما يزعمه المنطقي للمنطق من أمر الحد والبرهان فقعاقع قد أغنى الله عنها بالطريق
الأقوم والسبيل الأسلم الأطهر كل صحيح الذهن لا سيما من خدم نظريات العلوم الشرعية
ولقد تمت الشريعة وعلومها وخاض في بحار الحقائق والدقائق علماؤها حيث لا منطق ولا
فلسفة ولا فلاسفة ومن زعم أنه يشتغل مع نفسه بالمنطق والفلسفة لفائدة يزعمها فقد
خدعه الشيطان ومكر به فالواجب على السلطان أعزه الله وأعز به الإسلام وأهله أن
يدفع عن المسملين شر هؤلاء المشائيم ويخرجهم من المدارس ويبعدهم ويعاقب على
الاشتغال بفنهم ويعرض من ظهر منه اعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف أو الاسلام
لتخمد نارهم وتنمحي آثارها وآثارهم يسر الله ذلك وعجله ومن أوجب هذا الواجب عزل من
كان مدرس مدرسة من أهل الفلسفة والتصنيف فيها والإقراء لها ثم سجنه وألزامه
منزله ومن زعم أنه غير معتقد لعقائدهم فإن
حاله يكذبه والطريق في قلع الشر قلع أصوله وانتصاب مثله مدرسا من العظائم جملة
والله تبارك وتعالى ولي التوفيق والعصمة وهو أعلم
فتاوى ابن الصلاح (1/ 209)
فتاوى ابن الصلاح
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوي أبو
عمرو
سنة الولادة 577/ سنة الوفاة 643
تحقيق د. موفق عبد الله عبد القادر
الناشر مكتبة العلوم والحكم , عالم الكتب
سنة النشر 1407
مكان النشر بيروت
عدد الأجزاء 1
No comments:
Post a Comment